الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد العشرين

 بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

 

هل دقّ ناقوس الخطر؟ وهل اشتعل الضوء الأحمر أمام عربة الانتقال الديمقراطي في تونس؟ أم أنها الثورة والارتدادات الطبيعية التي تصاحبها والتي لا يمكن تجنّبها ؟

نتفهّم جيّدا أن الانتقال الديمقراطي ليس بالأمر الهيّن في بلد عاش تصحّرا سّياسيا لعقود عديدة غابت فيها الحرّية وحضر فيها القمع والتسلّط والمهانة. فصعوبة التحول من الديكتاتورية إلى الديمقراطية لا ينكرها ملاحظ ولا خبير، لكننا بعد سنتين من طرد المخلوع وسنة من تسلم أول حكومة شرعية دواليب السلطة في البلاد،  لا يمكن أن نفسّر ما يحدث في تونس من فشل في تحقيق ما انتفض من اجله الناس ومن صراعات بلغت حدّ العنف الجسدي بأنه أمر طبيعي يدخل في خانة صعوبات الانتقال الديمقراطي وارتدادات الثورة كما حدث في أغلب التجارب السابقة.

هناك حالة من التشنج والتوتر تسيطر على شرائح واسعة من الشعب نتيجة غلاء المعيشة وفقدان بعض المواد الأساسية كالحليب وعدم الخوض في علاج مشاكل أغلب الجهات خاصة الداخلية منها وعلى رأسها الفقر والتشغيل ، لكنّ ذلك لا يبرّر رجم رئيس الدولة ورئيس المجلس التأسيسي وبعض أعضاء الحكومة بالحجارة أثناء الاحتفال بذكرى اندلاع الثورة.

نسجّل أن القطع مع النظام البائد  يسير بخطى السلحفاة وأن محاسبة رموز الفساد في جميع القطاعات لم يتحقق بالقدر المطلوب، لكن ذلك لا يعطي إشارة خضراء لأطراف خارج أطر الدولة لكي تضع نفسها في مقام الحاكم باسم الشعب وتعلن شعار حماية الثورة وتصفية أعدائها وتنظيف الإدارات والمؤسسات من مساجدها إلى قصرها الرئاسي كما صرح بذلك رئيس الرابطات الوطنية لحماية الثورة ( التونسية 24 ديسمبر 2012).

إن ما تعيشه الساحة السياسية والاجتماعية من احتقان شبه متواصل يعود إلى أخطاء عديدة حصلت خلال الفترة الفارطة أهمّها:

استئثار الترويكا بالحكم مرتكزة في ذلك على الشرعية الانتخابية ومعتمدة طريقة تقليدية لتسيير دواليب الدولة وفشلها في استغلال اللحظة الثورية التي كان يعيشها المجتمع للسعي إلى تغيير أدوات الحكم ووضع خطط تنموية عاجلة تهم خاصة المناطق الداخلية، حيث صرفت أغلب وقتها وجهدها في مسايرة الأحداث وحل المشاكل هنا وهناك.

التردّد  في صدّ موجات العنف اللفظي والجسدي بالتغاضي عن بعضها وتبرير بعضها الآخر وعدم محاسبة من تسبب فيها.

انخراط المتصدرين للساحة السياسية من حكام ومعارضة في صراعات ومعارك لا تهمّ المواطن البسيط في شيء والدخول المبكر في حملة انتخابات سابقة لأوانها.

أن يتم الاعتداء على رموز الدولة ورميهم بالحجارة، وأن تعتدي مجموعة من الأشخاص بالعنف على حزب سياسي معترف به قانونيا أثناء نشاطه، فهذه إشارات إلى أن العنف السياسي قد بدأ يطلّ علينا كما تطل الأفعى من جحرها وان عملية التحول الديمقراطي بدأت  تترنّح تحت وطأة الضربات المتتالية من هذا وذاك.

 إن العنف مرفوض مهما كان مأتاه سلفيّا كان أو ثوريّا أو... ولتعلم الأطراف التي تشجّعه سواء بالتنظير أو بالتبرير أو بالدعم أو بالسكوت عنه، أنها بذلك تفتح على نفسها قبل غيرها أبواب جهنم وتدخل البلاد في دوامة لن تنتهي إلا وقد عاد الاستبداد ليعتلي كرسي الحكم من جديد وعندها سيعود الجميع إلى نقطة الصفر أو أدنى من ذلك بكثير.

إن المطلوب اليوم هو أن يتحمل الجميع مسؤوليته ويتحرك في اتجاه الضغط على الحكومة عبر الأساليب السلمية المتاحة لتعيد النظر في بعض خياراتها وتفتح باب الحوار الوطني لصياغة حلول للملفات السياسية العاجلة، واتخاذ إجراءات ملموسة للحد من التدهور الاجتماعي والاقتصادي من جهة والعمل من جهة أخرى على تشكيل إجماع وطني لمقاومة التطرف والعنف ومحاولة بناء جسور جديدة مع الشعب المسكين الذي بدأ يتقوقع على نفسه خوفا من المجهول، بعد أن ضاعت طمأنينته التي أبداها يوم 23 أكتوبر وبدأ حلمه يتلاشى شيئا فشيئا .