بحوث ودراسات

بقلم
محمد الصالح ضاوي
عظمة التوحيد في فكر ابن عبد الوهاب – ج1
 هذه دراسة لمفهوم عظمة التّوحيد في الفكر الوهابي انطلاقا من نصّ للشيّخ محمد ابن عبد الوهاب النّجدي، من كتابه: «كتاب التّوحيد الذي هو حقّ الله على العبيد» بشرح: عليّ بن خضير الخضير، في كتابه: «الجمع والتّجريد في شرح كتاب التّوحيد للشيخ العلاّمة محمد بن عبد الوهاب رحمه الله».
الباب الأول  كتاب التوحيد
الآية الرابعة: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} 151 الأنعام.
النص الأول:
قال الشارح علي بن خضير الخضير:«مناسبة الآية للباب: هذه الآية تدلّ على أهميّة التّوحيد ومكانته حتّى سماها المصنّف بالمسألة العظيمة وهذه الآية  دلّت على أنّ التّوحيد عظيم»
الملخص: 
يرى الشّارح أن وجه اختيار المصنّف لهذه الآية، هو تعظيم التّوحيد.
النص الثاني:
قال الشارح علي بن خضير الخضير:
« ما هو قَصْد المصنف من هذا الباب؟
تكلّم الحفيد سليمان في ص50 من كتاب التّيسير في قصد المصنّف من هذا الباب فقال: (ولمّا ذكر المصنّف معنى التّوحيد ناسب ذكر فضله وتكفيره للذّنوب). اهـ 
وعلى ذلك فالحفيد سليمان يرى أنّ الباب الأوّل بوّب لبيان معنى التّوحيد، أمّا الحفيد الثّاني والشّيخ حمد فلم يذكرا ماذا قصد المصنّف من هذا الباب حسب علمي، لكن الذي يظهر لي أن المصنّف لم يقصد هذا المعنى الذي اختاره الحفيد سليمان (...) وإنما أراد المصنّف أن يبيّن عظم شأن التّوحيد وبيان أهميته ومكانته ومن ثمّ يمكن أن نقول إنّ قصد المصنّف من هذا الباب هو (بيان مكانة التّوحيد وأهميته وعظم شأنه وحُكمِه).»
الملخص:
يرى الشّارح أن قصد المصنف من الباب الأول بيان عظمة التوحيد.
التعليق:
اختلف الشرّاح في بيان مقصد ابن عبد الوهاب من الباب الأوّل، من كتاب التّوحيد. فالرّجل دخل إلى الموضوع، مباشرة بالآيات والأحاديث، وأخذ يستنبط منها المسائل، ثمّ يبقى الموضوع غامضا.
صحيح أن الكتاب يتحدّث عن التّوحيد عموما، ولكنّ الباب، مسائله متداخلة مع مسائل الأبواب الأخرى، لذلك اختلف الشرّاح في بيان مقصد المصنّف.
ولا ندري كيف سوّغ المؤلف لنفسه اعتماد هذه الطريقة في التأليف، باعتبارها توحي بالشّيء ونقيضه، وكأنّه إمّا متأكد أنّ الناس يعلمون ما يدعو إليه، وما يقوله وما يستنبطه وما يجتهد فيه، أو أنه متعمّد غموض المقصد حتى يجد مساحة أكبر للتّحرك من أجل التّأويل والحكم على المسلمين بالشّرك والطّاغوت.
المهمّ أن الشارح علي بن خضير الخضير اقتنع أنّ الآية 151 من سورة الأنعام دالّة على أهمّية وعظمة التّوحيد. ولا أدري كيف استنتج الشّارح أهمّية التّوحيد من هذه الآية، علما وأنّ الآية، وما بعدها، تتحدّث عن عشر مسائل، التّوحيد أوّلها، والصراط المستقيم آخرها.
قال الله تعالى:
{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}151-153 الأنعام.
صحيح أن نفي الشرك تصدّر الآية، ومرتبته الأولى تعطينا أهمّيته، ولكن صحيح أيضا أن إتباع الصّراط المستقيم لخّص المسائل كلّها بما فيها التّوحيد، وبالتّالي يعطينا الأهمّية والعظمة لهذا الصّراط.
يبدو أن المصنّف يرى العظمة والأهميّة في التّوحيد بمنظار خاصّ: هو يسوق الآيات التي يراها مناسبة، ويقف عند أيّ كلمة منها يراها مناسبة، ويحكم عليها بالأهمّية والتعظيم. هكذا دون أن يكون له ميزان أو طريقة أو تبرير لما يفعله. 
ولعلنا لا نجانب الحقيقة إذا قلنا أن المصنّف ليس له طريقة أو أسلوب يعتمد عليه إلاّ الغموض والخلط والاجتهاد التعسّفي في اختياره للآيات، وفي عنوان الموضوع، وفي فهم وتفسير واستنباط المسائل منها. لأنّ من أراد الوقوف على آيات عظمة التّوحيد، فما عليه إلا استخراج الآيات التي تتحدث عن التّوحيد وتذكر خلالها كلمة «عظيم». هكذا بكلّ بساطة، وعلى الأقل في المنطلق.
قال الله تعالى:
{إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً}. 48 النساء.
{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.13 لقمان.
 هذه الآيات تدلّ بما لا مجال للشّك فيه، أنّ التّوحيد مسألة عظيمة لأنّ الشرك، المنهيّ عنه، مسألة عظيمة. وهذا بالضّبط ما قاله الشارح مبرّرا الاختيار الخاطئ للمصنّف حينما قال في شرحه لآية الأنعام:
«وجه التعظيم لأنّه نهى عن الشّرك وبدأ به فدلّ على عظم الشّرك وإذا كان الشّرك عظيماً فضدّه وهو التّوحيد عظيم أيضاً وهنا نصل إلى مراد المصنّف على عظم شأن التّوحيد»
فأيهما أوضح في العظمة: الآيات التي اختارها المؤلّف في بابه الأول، أم الآيات التي سقناها نحن، من النّساء ولقمان؟؟.
السؤال الجوهري: لماذا لم يذكر المصنف هذه الآيات للتّدليل على عظمة التّوحيد، وذكر بدلا منها آيات أخرى، تعسّف كثيرا في بيان العظمة منها؟؟.
الجواب نجده في تفسير وأسباب نزول هذه الآيات، والتي ذكرت التّفاسير، أنها كانت آيات رجاء وتخفيف لما قبلها.
فآية النساء مثلا، يقول صاحب البحر المحيط في سبب نزولها:« قال ابن الكلبي: نزلت في وحشي وأصحابه، وكان جعل له على قتل حمزة رضي الله عنه أن يعتق، فلم يوف له، فقدم مكة وندم على الذي صنعه هو وأصحابه، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّا قد ندمنا على ما صنعنا، وليس يمنعنا عن الإسلام إلاّ أنا سمعناك تقول بمكّة: {وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ} الآيات وقد دعونا مع الله إلهاً آخر، وقتلنا النفس التي حرم الله، وزنينا، فلولا هذه الآيات لاتبعناك، فنزلت: {إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ} الآيات، فبعث بها إليهم فكتبوا: إنَّ هذا شرط شديد نخاف أن لا نعمل عملاً صالحاً، فنزلت إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية، فبعث بها إليهم، فبعثوا إنا نخاف أن لا نكون من أهل مشيئته، فنزلت: {قُلْ يا عِبَادِى ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ} الآيات فبعث بها إليهم، فدخلوا في الإسلام، فقبل منهم ثم قال لوحشي: أخبرني كيف قتلت حمزة؟ فلما أخبره قال: {حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلّ وَجْهَكَ} فلحق وحشي بالشّام إلى أن مات.»انتهى
فانظر يا أخي كيف كانت أخلاق الرّسول في الدّعوة إلى الدّين الإسلامي، حيث يبشّر ولا ينفّر، ويعد ولا يتوعّد، ويستشهد بآيات الرّجاء، والأرجى والأرجى، وانظر إلى هذا الشّيخ الذي يدّعي إتباعه واقتداءه بالرّسول، كيف غابت عنه الحكمة المحمّديّة، فراح يخوّف ويخوّف، ويعظّم ويستعظم، في موضع وغير موضع؟؟.
وخذ المثال الثاني، الآية من سورة لقمان. 
قال القرطبي: «وفي صحيح مسلم وغيره عن عبد الله قال: لما نزلت {ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (الأنعام: 82) شقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أيّنا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ليس هو كما تظنّون إنّما هو كما قال لقمان لابنه: يا بنيّ لا تشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظيم}.»
فانظر يا أخي كيف تلا الرّسول الآية ليضع المشقّة التي شعر بها الصّحابة، وبيّن لهم عظمة التّوحيد مع عظمة الرّحمة، لأنّ الشّرك المطلوب نفيه هو الشّرك الأكبر، وهو مقدور عليه، بحول الله وقدرته، من الصّحابة وغيرهم، وأمّا ما هو شاق وصعب، نفي الظّلم جملة، وهذا ما لا سبيل إليه إلاّ ما رحم ربي.
وانظر يا أخي، رغم عظمة المسألة: مسألة الشّرك والتّوحيد، كيف ساقها لقمان لابنه في قالب موعظة، وليس في قالب الزّجر والتّخويف والقهر، كما يفعل الوهابيّون، وبدعتهم المسماة: كفر الطّاغوت، والتي بها يكفّرون العباد والعتاد والدّول والحكومات ويوجبون القتل والمحاربة.
ولقد فهم المفسرون عظمة التّوحيد من خلال عظمة آثاره، وربطوا بين الآية والأحاديث الواردة في الباب، وهذا ابن كثير عندما يتناول موضوع الشّرك العظيم، يتناول أيضا التّوحيد العظيم، وذلك من خلال عدّة أحاديث، تظهر عظمة التّوحيد في فضله ورحمة الله به، وآثاره على العبد في الآخرة، وهذه هي العظمة الحقيقية. وهذه أحاديث الآية التي ساقها ابن كثير: «....عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الدّواوين عند الله ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئاً، وديوان لا يترك الله منه شيئاً، وديوان لا يغفره الله، فأما الدّيوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله، قال الله عزّ وجل: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} الآية، وقال {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ}[المائدة:72]، وأمّا الدّيوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربّه من صوم يوم تركه أو صلاة تركها، فإنّ الله يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء، وأمّا الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً فظلم العباد بعضهم بعضاً، القصاص لا محالة».
تفرد به أحمد.
....عن أبي إدريس، قال: سمعت معاوية يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلاّ الرّجل يموت كافراً، أو الرّجل يقتل مؤمناً متعمّداً»
...حدثنا ابن غنم أن أبا ذر حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،قال «إنّ الله يقول: يا عبدي ما عبدتني ورجوتني، فإنّي غافر لك على ما كان فيك، يا عبدي إنّك إن لقيتني بقراب الأرض خطيئة ما لم تشرك بي، لقيتك بقرابها مغفرة» تفرد به أحمد من هذا الوجه.
... أنّ أبا ذر حدثه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك، إلاّ دخل الجنّة، قلت: وإن سرق وإن زنى ؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق ؟ قال وإن زنى وإن سرق ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذرّ»، قال: فخرج أبو ذرّ وهو يجرّ إزاره وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذرّ، وكان أبو ذرّ يحدّث بهذا ويقول: وإن رغم أنف أبي ذرّ. أخرجاه من حديث حسين به.
.... عن جابر، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما الموجبتان، قال: «من مات لا يشرك بالله شيئاً وجبت له الجنّة، ومن مات يشرك بالله شيئاً وجبت له النّار» وذكر تمام الحديث تفرّد به من هذا الوجه.
...عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من نفس تموت لا تشرك بالله شيئاً إلا حلّت لها المغفرة، إن شاء الله عذّبها وإن شاء غفر لها {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}.
...عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال المغفرة على العبد ما لم يقع الحجاب» قيل: يا نبيّ الله وما الحجاب؟ قال «الإشراك بالله ـ قال ـ ما من نفس تلقى الله لا تشرك به شيئاً إلا حلّت لها المغفرة من الله تعالى، إن يشاء أن يعذّبها وإن يشاء أن يغفر لها غفر لها»
ثم قرأ نبي الله {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}
...عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة»
تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه.
...سمعت أبا أيّوب الأنصاري يقول: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج ذات يوم إليهم، فقال: «إنّ ربكم عزّ وجل خيّرني بين سبعين ألفاً يدخلون الجنّة عفواً بغير حساب وبين الخبيئة عنده لأمّتي، فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله، أيخبأ ذلك ربّك ؟ فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج وهو يكبّر فقال «إنّ ربّي زادني مع كلّ ألف سبعين ألفاً والخبيئة عنده»
قال أبو رهم: يا أبا أيّوب: وما تظن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكله الناس بأفواههم، فقالوا: وما أنت وخبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو أيّوب: دعوا الرّجل عنكم أخبركم عن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أظنّ، بل كالمستيقن إنّ خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله مصدّقاً لسانَه قلبُه أدخله الجنّة».
... عن أبي أيوب الأنصاري، قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنّ لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام. قال «وما دينه ؟» قال: يصلّي ويوحّد الله تعالى. قال «استوهب منه دينه، فإن أبى فابتعه منه» فطلب الرّجل ذاك منه فأبى عليه، فأتى النّبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال «وجدته شحيحاً في دينه» قال: فنزلت {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}»
... عن أنس، قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما تركت حاجة ولا ذا حاجة إلا قد أتيت، قال «أليس تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؟» ثلاث مرات؟ قال: نعم، قال «فإنّ ذلك يأتي على ذلك كلّه»
.... قال: قال لي أبو هريرة: «يا يمامي لا تقولّن لرجل: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الجنة أبداً. قلت: يا أبا هريرة، إنّ هذه كلمة يقولها أحدنا لأخيه وصاحبه إذا غضب قال: لا تقلها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «كان في بني إسرائيل رجلان: كان أحدهما مجتهداً في العبادة، وكان الآخر مسرفاً على نفسه، وكانا متآخيين، وكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على ذنب فيقول: يا هذا أقصر، فيقول: خلّني وربي أبعثت عليّ رقيباً قال: إلى أن رآه يوماً على ذنب استعظمه، فقال له: ويحك، أقصر ٰ قال: خلني وربّي، أبعثت عليّ رقيباً ؟ فقال والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنّة أبداً، قال: فبعث الله إليهما ملكا فقبض أرواحهما، واجتمعا عنده، فقال للمذنب: اذهب فادخل الجنّة برحمتي، وقال للآخر: أكنت عالماً، أكنت على ما في يديّ قادراً ؟ اذهبوا به إلى النّار: قال: «فوالذي نفس أبي القاسم بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته».......والله أعلم.» انتهى 
فيتضح، أخي القارئ، أن الأحاديث التي ساقها ابن كثير، من مسند الإمام أحمد بن حنبل، وغيره، مشبعة بالرّجاء والرّحمة، وهي تدور حول عظمة التّوحيد، وما فهمه ابن كثير، غاب عن فهم ابن عبد الوهاب، الّذي ظنّ أنّ عظمة التّوحيد تتماشى والزجر والتخويف والوعيد، وتتنافى مع الرجاء والرحمة.
بل إن ابن كثير فهم الموضوع كما فهمناه، وكما فهمه المسلمون عامّة، باستثناء الوهابيّة، حين قرن بين الآيتين اللّتان سقناهما للتّدليل على عظمة التوحيد، فقال:
«وقوله{وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً}[النساء:48] كقوله {إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:13] وثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله نداً وهو خلقك» وذكر تمام الحديث، 
وقال ابن مردويه: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد، حدّثنا أحمد بن عمرو، حدّثنا إبراهيم بن المنذر، حدّثنا معن، حدّثنا سعيد بن بشير حدّثنا قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أخبركم بأكبر الكبائر الشّرك بالله» ثم قرأ {وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً} وعقوق الوالدين. ثم قرأ {أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ وَلِوٰلِدَيْكَ إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ}.»انتهى
فإذا ما تجنبت الاعتقاد في شريك ندّ لله عزّ وجلّ، فقد تجنبت الشّرك، والظّلم العظيم. فلا طاغوت، ولا ترّهات ابن عبد الوهاب وتخويفاته. لأنّ الشّرك الذي نتحدّث عنه، هو المذكور في كامل سورة الإنعام، والذي قال فيه الرازي:
«واعلم أنّه تعالى قد شرح فرق المشركين في هذه السّورة على أحسن الوجوه، وذلك لأنّ طائفة من المشركين يجعلون الأصنام شركاء لله تعالى، وإليهم الإشارة بقوله حكاية عن إبراهيم {وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ لاِبِيهِ ءازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً ءالِهَةً إِنّى أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ} (الأنعام: 74). 
والطائفة الثانية: من المشركين عبدة الكواكب، وهم الذين حكى الله عنهم، أن إبراهيم عليه السلام أبطل قولهم بقوله: {لا أُحِبُّ ٱلاْفِلِينَ} (الأنعام: 76). 
والطائفة الثالثة: الذين حكى الله تعالى عنهم: {وجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء ٱلْجِنَّ} (الأنعام: 100). وهم القائلون بيزدان وأهرمن. 
والطائفة الرابعة: الذين جعلوا لله بنين وبنات (الأنعام: 100)، وأقام الدلائل على فساد أقوال هؤلاء الطوائف والفرق، فلمّا بين بالدّليل فساد قول هؤلاء الطّوائف. قال ههنا: {أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً}.»انتهى
وهذه الطّوائف الشّركيّة ليست موجودة الآن بين المسلمين، وليس هناك مسلم واحد على وجه الأرض، يعتقد في لا إله إلا الله، ويعبد الأصنام، أو الكواكب، أو أهرمن أو يجعل لله البنين والبنات، هذا الشّرك، والحمد لله مفقود بين المسلمين، ولا وجه أن تتّهم المسلمين بالشّرك، إلاّ إذا أردت بالشّرك ما لم تقله الآيات، وقاله ابن عبد الوهاب، وجماعته.
والله أعلم...
(الجزء الثاني بالعدد القادم إن شاء الله)
-------
-  كاتب وصحفي 
dhaoui66@gmail.com