قلم الشباب

بقلم
مالك الشعبوني
الجامعة التونسية و التمثيل الطلابي: فشل السياسات و غياب الإصلاحات
 السرطان أو « المرض المشوم» ، هو آفة تصيب بدن العبد فتحوّل خلاياه إلى كائنات مجنونة تثير فيه الفوضى وتتكاثر لتنخر الجهاز أو العضو المصاب ثم تقفز إلى بقيّة الجسد. هكذا فعل التّجمع بالبلاد التونسيّة عندما إستفحل الفساد منطلقا من الدكتاتوريّة السّياسية ليستشري في جميع المجالات. أتت الثورة فكانت كالعمليّة الجراحيّة التي اقتلعت الورم الأصلي السياسي. وكان من الضروري إستعمال الأدوية الكيمياويّة «الشيميو» للتأكد من إستئصال كل الخلايا السّياسيّة الفاسدة، ثمّ المرور إلى إصلاح ما فسد من بقية البدن. ولكنّ هذا لم يحدث. وضرب صقيع الخريف الإنتخابيّ الجسد المريض فاستغلت الخلايا السّرطانيّة الفرصة لتعود بقوّة. و كذلك حدث في العديد من الأعضاء، ومنها وزارة التّعليم العالي المنهكة. فها هو السيد الوزير يتلخبط في تحديد توقيت انتخابات ممثّلي الطّلبة في المجالس العلمية فيجعلها في قلب الحملة الإنتخابيّة الرئاسيّة ثم يلغيها، لا أعلم لأيّ سبب بالضّبط، أبسبب إحتجاج إتّحاد الشغل، أم بسبب ضغط الهيئة العليا المستقلة المزعوم، أم ماذا...
لا نختلف في أن التاريخ الأول لهاته الإنتخابات غير مدروس ويطرح عديد التساؤلات في خصوص براءته. ولا شك أيضا في أنّ تبعات هذا القرار - من اتّهامات متبادلة بين مختلف الأطراف النقابية والوزارة ومن استغلال بعض الأطراف المسيّسة للفرصة لتشويه خصومها بدعوى حماية الجامعة من التّسييس - كانت نقاطا سوداء تؤكّد سوء تقدير أو نية الوزارة. قرار التّأجيل أتى متأخّرا ولكن كما يقول المثل الفرنسي « يكون متأخرا أفضل من ألا يكون» لأن الأجواء المشحونة كانت تنذر بما لا يحمد عقباه إن لم يقع التّأجيل. لعلّها فرصة لنستعرض الوضعية العامّة التي وصلت بنا إلى هاته المرحلة.
فالأهم ممّا سبق، وما يجب الإنتباه إليه هو فشل التّمثيل الطّلابي في التّعبير عن إرادة الطّلبة، في الدّفاع عنهم كما ينبغي وفي المساهمة في إصلاح الجامعة. هذا الفشل يعود إلى أسباب تتعلّق بالمنظّمات النّقابية والطلبة وبسلطة الإشراف وبمنظومة القوانين وبالإدارة التونسية.
الكلاسيكية و ركود المشهد
المنظّمات الطلاّبية انقسمت إلى قسمين: العاجزة، والمسيّسة. وكلاهما لم يستطع كسر الحاجز بينه وبين الطّلبة. لازالت الصّراعات اديولوجيّة على شاكلة الثّمانينات. لم نستطع إلى اليوم تكوين نقابة جامعة ولا القبول بمبدأ التعددية فعليّا. كما لم نستطع حسم أمرنا من قضية « تسييس الجامعة». نقول أنّنا منعناه، فتجد منظمات تلقي خطبا سياسية لأنّ « الحركة الطّلابيّة جزء لا يتجزأ من الحركة الشعبية» على حدّ تعبيرها، وتجد فروعا قانونيّة جامعيّة للأحزاب، إلى آخره من التّجاوزات. لماذا لا نتصارح؟ لماذا نتستّر عن الواقع؟ لماذا نرفض طرح الموضوع؟ أليست الجامعة التونسية مترفّعة عن الخطابات السّياسية؟ أليس المجال مفتوحا للعمل السّياسي خارج الجامعة على خلاف سنوات الجمر؟ هل نحن قادرون على فتح المجال لتسييس الجامعة دون حصول كوارث؟ هل بلغنا درجة من الوعي تسمح بذلك؟ هل أن جامعتنا أكثر قداسة من جامعات أكبر الديمقراطيات في العالم أين يسمح بالسّياسة؟ أم أن مخاوف الماضي تمنعنا من الإجابة عن كل هاته التساؤلات؟
كل هذا وأكثر خلق نوعا من الإستقطاب الثنائي ومن النفور لدى الطالب الذي لم يعد يريد الدّخول في أي صراعات أو إتخاذ أي مواقف لأنه ملّ من الحوارات البيزنطية في الشّارع و في الإعلام من ناحية، و لأنّه تربّى على السلبيّة من ناحية أخرى. لقد أصبح « المحايدون»عالة على النقابيين وعلى الجامعة.   فالطّالب اليوم يحلم أن تأتيه «الخبزة باردة» على طبق من ذهب دون كدّ و لا عناء و لا تحرّك، كأنّ ممثل الطلبة هو صاحب القرار ممّا جعل الحياة الطلابيّة تتلخّص في فلكلور إنتخابي يدوم أقلّ من أسبوع في السنة.
تخلف القوانين المنظمة للحياة الجامعية 
و غياب الإصلاحات
إنّنا، وبعد 4 سنوات من الثّورة، لازلنا نعلن عن الانتخابات فجأة ودون إستشارة مكوّنات المشهد الطّلابي، ولازلنا نحتقرها إعلاميّا. لازلنا ننتخب ممثّلا عن الطلبة ليستشار في إتخاذ قرارات مجلس إستشاري، لتتمّ دعوته مرّة أو مرّتين خلال فترته النّيابية في هذا المجلس الموقّر، لتتمّ هرسلته من الإدارة إن رفض الخضوع، ومن خصومه النقابيين ومن عموم الطلبة السلبيّين.
لازالت حركتنا الطلابيّة تعاني عدّة نقائص لعلّ أهمها غياب الأليات التشاركيّة. فقد تواصل غياب الإرادة السّياسية القادرة على إذابة «جليد الجامعة التونسية». رغم وصول عدّة نقابيين إلى الحكم في الفترة الإنتقاليّة، فإنّهم قد نسوا أو تناسوا الوضع الطلابي، الذي لم يخصّوه بأيّة مبادرات قيّمة. فلا ننتظر من غيرهم أن ينتبه إلى ذلك. المنظومة القانونيّة كبّلت ممثلي الطّلبة. قوانيننا لا تحميهم، ولا توفّر لهم الصلاحيات اللاّزمة، و لا تضمن الحقّ في الإضراب ولا تراقب القرارات الإداريّة. لا غرابة في ذلك فهي موروث برلمانات الدكتاتورية.
كما نجد اليوم أن الإدارة التونسيّة تعيش تهرّما رهيبا على مستوى العقليات، في غياب التحويرات القانونية والتنفيذية التي يمكن أن توقظها من سباتها العميق. الإصلاحات اليوم، تبقى مجرّد مبادرات فرديّة، غير مجدية في أغلب الأحيان، نظرا لغياب منطقي التعميم والتشاور. فالمسؤولون الذين يريدون التغيير قلة، وعلى قلّتهم فإنهم يستعملون نفس منهج الإصلاح في العهد البائد ألا وهو الإسقاط. فأغلب القرارات المهمّة تؤخذ دون حضور ممثّلي الطلبة! البيروقراطية من جهتها استفحلت، وزادت الطّين بلّة. مردود الإدارة أكثر من ضعيف، والطالب هو مجرّد دمية تحرّك حسب الهوى وتداس بكل بساطة.
فعلا، كان بودّنا أن نتحدّث بعد 4 سنوات من العمليّة الجراحيّة عن تحسّن... و لكنّ الأخطاء الطبيّة المتكررة، وقلّة الخبرة والكفاءة والإرادة جعلتنا نتحدّث اليوم عن تفاقم للأعراض والألام. ولكي لا نسقط في خطأ طبيّ آخر، لن نقول لأهل تونس أنّها متعافية عن قريب، و لن نبيعهم أوهاما قد نراها في الأحلام. سنوات عصيبة أخرى في الإنتظار، على أمل أن تتوج بالشفاء.
-------
-  طالب
chaabouni.malek@gmail.com