الكلمة الحرّة

بقلم
عبدالعزيز الرباعي
أما آن لنا أن نهاجر نحن أيضا...؟
 أوّلا، لا يفوتني أن أقول لكم جميعا كل عام وأنتم بخير...
لم أشأ أن تمرّ هذه الذكرى الغالية على نفس كلّ مسلم في هذا الظرف العصيب التي تمر به أمّتنا الإسلاميّة، ذكرى هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن أصافحكم وأن أتواصل معكم عبر هذه الأسطر لأبثكم بعض ما يعتمل في فكري ويعتصر في قلبي من شجون وهموم وطني وأهلي وأمتي وأرجو أن أكون كما عودتكم دائما صادقا مخلصا فيما أنقله لكم. 
لقد مرّت السّنوات الطوال ونحن لا نكاد نشعر بمرور السّنوات الهجرية ولا نعرف منها تقريبا إلاّ شهري رمضان وشوّال أو ربّما ذي الحجة ..فالتأريخ الهجري لم يعد يمثل لنا شيئا تقريبا... فنحن نعتمد التأريخ الميلادي في حياتنا اليومية، ويمثل يوم الأحد يوم الرّاحة الأسبوعيّة المعتمد بشكل رسمي كأنّنا بلد أروبيّ مسيحيّ...ولم نعد نشعر بمرور السّنوات إلاّ عند حلول رأس السنة الميلادية التي يحلو للبعض نعتها بالسّنة الإدارية تمويها ومواربة للحقيقة... وهذه السّنة أيضا يبدو أننا لم نختلف كثيرا في ردود أفعالنا تجاه تلك الذكرى الغالية والمفصلية في تاريخ الأمة الإسلامية والتي غيرت مجرى التاريخ... قليل من الملوخية وبعض البيض تحت المرزاب وبعض الأغاني الفلكلورية على شاشة التلفاز... «وبالسلامة مالغادي»؟؟؟
إنّنا نشعر أنّه تمّ إسدال حاجز كثيف بين النّاس وبين تاريخهم وأبرز محطاته  ونقاط الضوء فيه... وهل هناك حدث أعظم من حادثة الهجرة الثالثة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من مكّة إلى المدينة، والتي قلبت كل الموازين وحققت لرسول الله ولدينه العزة والمنعة والتمكين والانتشار؟؟؟ إنّني أجزم أنّه الحدث الأكثر عظمة في تاريخ الإسلام كما ذهب إلى ذلك خليفة رسول الله وصاحبه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه...
ولكن لم كلّ هذه اللا مبالاة؟؟؟ لم كل هذا التعتيم وهذا التجاهل؟؟؟ لهذا الحدث العظيم؟؟؟ هل هو الشعور بالخجل من تاريخنا ومن حضارتنا؟؟؟ هل هو هروب من كل ما قد يذكّرنا بأننا من أهل الإسلام؟؟؟ هل أصبح الدّين عندنا مجرد تعاويذ وطقوس وحفلات فلكلورية؟؟؟ هل تغلغل في أذهاننا ما يروج عن ديننا من أكاذيب وتهم باطلة بالإرهاب والجهل والتخلف، حتى أصبحنا نعتبره معرّة ونحاول توريته التّراب ونستنكف من الإفصاح عن انتمائنا له؟؟؟ 
للأسف الشديد وبكل مرارة أقول نعم.. إنّ الكثير منّا أصبح يستنكف من الدّين الإسلامي ويعتبره السّبب الأول في تخلّفنا وجهلنا وانحطاطنا الاجتماعي والأخلاقي... كل جرم نقترفه ينسب للإسلام... وكل فسق نفسقه ينسب زورا وبهتانا للإسلام...وكل جهل نجهله ننسبه ظلما وعدوا للإسلام... وضاع الإسلام أو كاد بين تنطع المتنطعين وتزوير وتزييف الحاقدين وتهاون وتقاعس المتبعين... أصبح الإلحاد والاستهتار بالدّين وقيمه قمّة التطور والتمدن والحضارة... أما التمسك به ومحاولة تلمّس الطريق القويم إليه فيعدّ قمّة الجهالة والعدميّة والتّخلف... أصبح الجميع يروّجون- في حملة شعواء لم ير التّاريخ لها نظيرا- «أن الإسلام هو رديف الإرهاب» ..وأينما ظهرت مجموعة إرهابية في منطقة ما من العالم تقطع الرؤوس وتستبيح دماء الأبرياء إلاّ ويتم إلصاقها بالإسلام ... ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهكذا أريد للإسلام أن يحشر في الزاوية... فهو إما لحية مرسلة وجلباب فضفاض ومسبحة في اليد وتخويف للناس بالويل والثبور وسوء المصير والنّار والسعير...وإما قتل وتدمير وقطع للرؤوس وتفجير ؟؟؟ 
فهل هذا بربكم هو الإسلام؟؟؟ وهل هذه هي تعاليم الإسلام؟؟؟ لو كان الإسلام كما تصفون لما عاش كل هذه القرون الطوال ولا زال إلى اليوم يعد أكثر الأديان انتشارا ..ولما امتد إلى كافة أصقاع الأرض فلا يوجد مكان في العالم ليس به مسلمون... لو كان الإسلام كما تدعون لما أنتج حضارة وعلما وفكرا...ولما اتبعه الناس على اختلاف ألوانهم وأعراقهم ولغاتهم ... إن الإسلام هو دين السلام... وتحيته هي تحية السلام... وإلهانا اسمه السلام... ورسولنا قَرَنَ إسلام المسلم بسلام الناس من يده ولسانه... 
فتعالوا نهاجر جميعا إلى الإسلام... تعالوا نهاجر من الجهل والتخلف إلى العلم والمعرفة فأنتم إمة «إقرأ» و«نون والقلم» ...ونهاجر من الكذب والرياء والنفاق إلى الصدق والأمانة والإخلاص ونهاجر من الظلم والجور والعتو إلى التواضع والعدل والرحمة.. ونهاجر من العبودية والذلةّ والمهانة إلى العزّة والعلو والمنعة ...وذلك لا يكون إلاّ بالصدق مع الله والنفس وترك الرهبانيّة والتّطرف والتزمت والغلو والسعي لكسب رهانات المعرفة والتحضر والعلم ..كما أنه لا يكون بالتفريط والتضييع والتمييع فنصبح قوما بلا عنوان ولا هوية ولا ثوابت ... مجرد مجموعات من القردة والببغاوات التي تقلّد عبثا ما يقوم به البشر دون أن تبلغ شأنهم...
تعالوا أحبتي ننسج على منوال نبينا وقدوتنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ونهاجر إلى حيث السلم والإسلام... إلى حيث التآخي والمآخاة والأخوة... إلى حيث الإيثار والبذل والعطاء... فالهجرة لا تكون بالبدن فقط وإنما تكون أيضا بالروح والفكر والجوارح ...فلنهاجر بجوارحنا وأرواحنا وعقولنا إلى ما يحيينا...
قال تعالي: «يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون» الأنفال 24
وكما جاء في الحديث النبوي : ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ) 
فليكن إحياءنا لذكرى هجرة رسولنا الأعظم... بإحيائنا لسنته واتباعنا لسبيله واستجابتنا لأمره ... حتى ينصلح حالنا ويتغير ما بنا ونخرج ممّا تردينا فيه من تخلف وانحطاط بسبب فساد أخلاقنا واهتراء إيماننا وترهل عقيدتنا... ممّا أطمع الحاقدين فينا وجعل الأمم تتكالب علينا ..فكثر شرّنا وقل خيرنا وأصبح بأسنا بيننا شديدا...
ويكفينا فخرا بالإسلام أن رسولنا لخّص رسالته في قوله صلى الله عليه وسلم « إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» فأين نحن اليوم من كل ذاك ؟؟؟؟
كل عام وأنتم بخير. 
--------------
-  ناشط سياسي ونقابي
azizrebai@yahoo.fr