حديقة الشعراء

بقلم
البحري العرفاوي
القيامة
 كانت عاصفة
نمت ... فحلمت
أن نُفخ في الصور
وصعق من بالقبر
وبُعث الشهداء وجلّادوهم ...
صفًّا صفًّا...
وجئت وأبو ذر ...
نتقدم صفّ المقهورين
وبيننا كان سعيد ابن جبير 
يرفع لافتة مرشوشا فيها...
من دمنا ...
«يسقط سيف  الجلاّدين
ولا يسقط خبزك يا شعب»
وجاء معاوية
يتقدم صفّ الجلاّدين 
يده بيد الحجّاج...
وبينهما كان يزيد
لحيته تنضخ بدم الحسين
يرفع لافتة ...
ممزوقا فيها بحدّ السّيف
«يسقط خبزك يا شعب
ولا يسقط سيف الجلاّدين»
ونُوديت ...تقدّمت 
وآثار الجَلد على الجٍلد
سألوني: من أنت؟
قلت: واحد ممّن سقط يوم الخبز
قيل وما يوم الخبز؟
قلت هو اليوم الأسود في ذاكرة الشّعب
ويوم الجوع في ذاكرة الصّبيان
ويوم الاستشهاد في ذاكرة الطّلاب 
ويوم المعصية في ذاكرة السّلطان
وفي ذاكرتي...
آه يا وطني...
داهمك الجوع... 
فخلعت عليه ثيابي
وخرجت أصدّ النار...
على مزرعة الفقراء بردائي
وحين أصابوني ...
عضضت على الخبز 
غرست السّنبلة في جرحي
وسقطت
جاء العسس... ركلوني
كنت أسمعهم ... قالوا 
سقط ابن الكلب ..
ولم تسقط من فمه الخبزة
لم تسقط من جرحه سنبلة القمح
لمسوها بحدّ الرمح
فانفجرت في أعينهم شررا
وانسدّ الشارع طوفانا
والزبد كان يناجي الظلمة...
تستر عورته 
وسمعت الصبيان يصيحون فيّ
لاتسقط يا ابن الكادحة
لا تسقط يا ابن الجائعة
لا تسقط يا ابن الحافية
العق دمك وانهض...
إلحق طابورك ...
يقرع باب السلطان...
يرجّ نوافذه
تحاملت على جرحي
لعقت دمائي ونهضت
تأمّلت فيّ
فإذا العسس سلخوني
ولم يبق خارج جلدي..
 سوى شعر الرأس
أشعلت فيه النّار .. فتيلا 
وشققت الشارع 
لأنير الأكواخ المظلمة
وأعلّم صبيان الأحياء 
أنّ الشمعة توقد عارية
كحقيقتنا
وإذا صبيان الأحياء
يفرّون من الأكواخ 
بلابل تحمل أغطية  لتدثّرني
أهلا ... أحفاد أبي ذر
مرحى ... أحفاد أبي ذر
اقتربوا ... ذا صدري خيمتكم
وفؤادي منارة حبّ تؤنسكم
اقتربوا ... اقتربوا 
أحفاد أبي ذرّ
لا تخشوا قصف الليل
فضلوعي أيبس من أقواس هزائمهم
داهمني العسس ثانية
أصابوني... أمشي والدّم ينزف
أمشي والدّم يمشي
حتّى وصلت المخبزة الشعبيّة
ناديت بعمق الذاكرة
يا هذا الشعب... اسلخني
دبّغ جلدي من تربة هذا الوطن
ملّحه بنفايات الإسمنت ...
والفسفاط...
وانشره على جمجمتي
كي لا أبصر هذه الحرّة... 
تأكل أبناءها ثانية
ذا يوم الخبز
ورفعت عيناي...
 فإذا رضوان
يفرّك عينه من فرط الحزن
ويقول:
وفي هذا الزمن؟
أو يقتل من جاع؟ 
وبطون سلاطين الردّة متخمة
بالنّفط  .... في هذا الزمن