همسات

بقلم
يسري بن ساسي
شباب مغيّب
 كنت سأخص المــرأة بحديثي المتواضع هـــذا...المرأة والميز العنصري الــذي كـــان ولازال يمارســـه المجتمع تجاهها برغــم مساعيها وعطائهـــا وتماديه في تبديدهــا ومزاعمه في إنصافهـــا ...لكنّني ارتأيت أن هناك ميزا خاصّا تفردنا به وتفنّنــا فيه أولى به حديثنا في هكذا ظرف بالذات ألا وهو ميــز يمارس ضدّ الشّبـــاب ..لا لأنّ الآخر أقـــلّ أهميّـــة أو أدنى آنيـــة .. فإذا كانت المـــرأة وعي المجتمـــع فالشّبــاب شريانه النّابـــض بالحركة والحيــاة...  ولكن لأنـــه قد يكون مخيبا لدرجة كبيـــرة ومؤسفـــا بدرجــة أكبر..
الشّباب الذي واجه الرّصاص الماكر بصدره العاري...الشباب الذي تآكلت عظامه على كراسي البطالة ...
الشّباب الذي يلقي بنفسه في عرض البحر لا ملوما ولا محسورا هربا من واقعه الآسن ..
الشّباب الذي احتمى به الكبير والصغير والعاجز أيّام الانتفاضة ..
الشّباب الذي يزجّ به في فوهة الإرهاب..فإذا تعلّق الأمر بأن نرسله إلى غياهب الموت غاب شرط الخبرة والدراية والحنكة وأدّى هو عمّن سواه فرض الكفاية ..رأيت منه الكثير من خسر عينا.. من بترت ساقه.. من فقد يده..  رأيت بعضا منه يبتسم في عزّ وأنفة، فعجبت لصبره وجلده وقلت أتعلّم .. أن تجـــد نفســـك وأنـت بالكـــاد ناهـــزت العشريـــن في كرسي متحرك 
صبر قد لا يقدره كهل متمرس ولا شيخ حكيم... ولم نقل أن ذلك منّة من الشّاب على وطنه، بل واجب حقّ أن يفخر به ويعتدّ ولكن كما لو أنّ له نصيبا من الحنظل، فله أيضا نصيب من الشّهد و تلك العدالة وتلك المساواة..
كبرى الخيبات أن دستورا توسّمنـــا فيه الكثير يضع الحدّ الأدنى لمنصب الرئاســـة ولا يضع الحدّ الأقصـــى ..تناقض واضح.. أمر ما فيــه استنقاص للطاقات الشّابة ووأدها في مهدها..والدستور في الحقيقـــة ليس استنباطا جديدا بقدر ما هو انعكـــاس لعقليات متحجّـــرة وخلفيات قديمـــة... فلم الغرابة إذن أن يقاطع الشّاب الانتخابات وفيم التّعجب أن يأنى بنفسه في عالمه الافتراضي يحدث نفسه كمصاب بداء التوحّد ..
كم نسبة من يمثّله ويمثّل شواغله في من اختارهم «الشعب»، ثم أليست مشاغله لبّ المشاغل وهمومه صميم الهموم ..البطالة والإرهاب وكلاهما يرتبط بالآخر.. من الإجحاف القول بأنّ الشّاب لا يمتلك من حصافة القول وسداد الرّأي وبعد النّظر ما يسمح له بالقيادة وقد رأينا كل المتناقضات على المنابـــر وفي المجالس..رأينا كهـــولا وشيبا إذا لم يعجبهم رأي أو قول هاجوا وماجوا وتعاركوا عراك الديوك وسمعنـــا منهم ما يندى له الجبين حتى خيّل إلينا أنّنا في سيرك مضحك مبك ...ورأينا شبابا تكلّموا فأبلغـــوا وأبدووا رأيهم فأقنعوا على قدر ما أتيحت لهم الفرصـــة ..وقد أفتح هنا قوسا لأقول أنّ على الشّاب النّجوز عن سلبيته وأن يفتكّ إن اقتضى الأمر فرصته لا تغوّلا وتعنّتا بل بأحقيته وجدارته وقد نجد لهذه السلبيّة ما يبرّرها من تصحير ثقافي وسياسي دام أكثر من ربع قرن، أنزيد في تعميقه بإقصاء الشّباب أم ندفع به ونشجّعه و نمدّ له يد النّصح والإرشاد .. والمنطق يقول علّمني ثم حاسبني ولن يتعلّم الإنسان طالما بقي متفرّجا.. 
يتعلّم الإنسان حينمـــا يزّج به في الميدان..أعرف أنّ الكثير سيقول «ووضع البـــلاد الذي لا يحتمل»...قد احتمل وضع البلاد الكلّ وكأنّنا في ناد للهواة أفلا يحتمّل الشّباب وهم وقود الانتفاضة وحطبهـــا؟..هل خلت البـــلاد من الطاقات الشّابــــة حتى لا نرى سوى ذات الوجـــوه ولا نسمع سوى ذات الخطـــاب؟..أين روح الشّباب المتدفّقـــة بالحياة تضخّها في بــلاد تحتـــاج إلى نسق سريــع وإيقاع أسرع لتتدارك وتتجـــاوز الكثير من المطبّات التي وقعت فيها؟ 
هذا الشّباب الذي أصبح لا يرى له حياة إلاّ خارج أحضان الوطن ..تحمله قوارب الموت أو قوافل الإرهاب أو طائرات النّجاة بعيدا ليموت أو يقتل أو يعمر أرضا غير أرضه ..فبمن ستعمر البلاد ؟..أفيقوا إن خلت البلاد من شبابها فمن سيعمرها؟ ..
-------
-  كاتبة تونسية
docyosra@hotmail.fr