مقالات في التنمية

بقلم
نجم الدّين غربال
الشباب والتنمية السياسية
 معلوم أن التنمية هي مسار تراكمي تغييري على مدى زمني طويل يستهدف بنية الفرد النفسيّة والذّهنية بما يطوّر هياكل الدّولة وأداء مؤسّساتها ويحدث نقلة نوعيّة في واقع المجتمع في جميع مجالات حياته. وتهدف التنمية تدريجيا إلى تحقيق كرامة الفرد ووحدة المجتمع وسلامة الوطن ومناعته وهي صيرورة نحو التّقدم الاقتصادي والرّخاء الاجتماعي والانسجام المجتمعي والاندماج الإنساني.
أمّا السّياسة فهي اهتمام عميق ومسؤول بمتطلبات المرحلة التاريخية وحاجات المجتمع يترجم بوضع فريق وآليات عمل وخطط متوسطة المدى ضمن إستراتيجية واضحة المعالم تشفع ببرامج وسياسات في جميع مجالات الحياة.
وإذا خصصنا الحديث عن التنمية السياسية نقول أنها تبعا لما سبق عملية نقلة نوعية على مستوى المناخ السياسي وعلى مستوى التعاطي مع الشأن العام سواء ممن يتعاطى أو طريقة التعاطي.
وقد انطلقت التنمية السياسية ببلدنا حين فرضت الحرية واقعا من قبل فئات شبابية محرومة وأخرى مقموعة وشارك العديد منهم في انتخابات 2011 بتطلعات كبيرة وقاطعها عدد آخر من الشباب في الانتخابات الأخيرة مما يوحي بانتكاسة في اهتمام عدد لا يستهان به من الشباب بالشأن العام الأمر الذي يستوجب وقفة تأمل واستنفار ذهني لانقاذ عملية التنمية السياسية الوليدة ببلدنا.
وإذا حاولنا معرفة بعض من أسباب ذلك العزوف نقول أن التجربة السياسية التي عقبت انتخابات 23 أكتوبر 2011 ألقت بضلالها على نوعية علاقة الشباب بالسياسة عمومــا وعلى «السياسيين» بصفة خاصة.
وما حذرنا منه سابقا عزوف الشباب عن الاهتمام بالسياسة (انظر مقالا سابقا لنا بعنوان «الحاجة للتنمية الشاملة ») بما هو اهتمام بالشأن العـــام بشكـــل اختيـــاري بعد أن تنافروا عنهــــا قصـــرا في العهـــد البائد خاصّــــة وأن مؤشرات عديدة ظهرت شهورا عديدة قبل انتخابـــات 26 أكتوبر الأخيرة دلّت على توظيف سياسي رخيص للعمل الحزبي مــن طـــرف الكثيـــر واستعمال مفضوح للتّحزب لا يخدم وحدة المواطنين ولا مصالحهم الحقيقية.
 من هذه المؤشرات نذكر :
(أ) نشر الكراهية واختلاق دوافع تصنيف أفراد المجتمع الواحد بهدف الحسم في طرف لحساب طرف آخر مما يخلق العداوة ويهدد وحدة المجتمع.
(ب) عدم الاهتمـــام برفع التحديـــات التنمويـــة في مختلــف مجـــالات الحيـــاة خاصــــة احداث فـــرص تشغيل أصحاب الشهائـــد العليـــا ممــــا أحدث عـــدم توازن بين التحـــزب من جهـــة ومنسوب التسيــــس بمــا هو اهتمام عميق ومســـؤول بمتطلبـــات المرحلـــة وحاجات المجتمـــع من جهة ثانية خاصة حاجيات الشباب عمدة مستقبله ومسؤولي غده.
(ج) محدودية الحضـــور الشبابـــي على مستوى زعامــــة العديد من الأحزاب وضعف نسبة انتمائهــم  للأحــزاب عمومـــا إذ لم تتجـــاوز 2 بالمائـــة فقط من عدد المنخرطين فيها.
 ولعل ذلك يفسر بعضا من عزوف عدد من الشباب عن الانتماء للأحزاب وعن المشاركة في الانتخابات الأخيرة.
وإن كان منهج التوافق في الفعل السياسي قد ساعد في الفترة الأخيرة على إخراج البلاد من الاحتقان وتجاوز حالة «شد الحبل» من طرف الفرقاء «السياسيين» وأوصل البلاد إلى انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة إلا أن قاعدته ضلت هشة نظرا لعدم تضمنها إرادة جليّة وواضحة لمحاربة الفساد بنفس القدر الذي عايناه و ثمنّاه في موضوع محاربة الإرهاب.
ومما هو مسلّم به أن الركيزتـــان الأساسيتـــان للتنمية السياسيـــة المطلوبـــة هما مشاركة الشبـــاب السياسية والتعدديـــة السياسيـــة المحـــدودة باعتبارهمــا عنصران من عناصر وجود نظـــام ديمقراطــــي قوي تمهيــدا لإقامـــة نظام اقتصـــادي واجتماعــي قادر على إحداث تنمية شاملة في بلدنا.
ولعل ما يساهم في عودة الشباب إلى الحياة السّياسية وضمان تنمية سياسية حقيقية هو انتهاج المسؤولين الجدد الذين أفرزتهم صناديق الإقتراع الأحد الماضي الحوكمة الرشيدة وتجفيف منابع الفساد وهذا لن يكون بدون حكم تشاركي يضم أساسا الأحزاب الثلاث الأولى ومنهج تشاوري مع مكونات المجتمع المدني.
كما تتطلب مشاركة الشباب السياسية شروطا وإجراءات مشجعة للأفراد لتعاطي الشأن السياسي منها :
* رفع العراقيل الاجتماعية التي تحول دون مشاركة كثيرين في العملية السياسية كحالة الفقر والحرمان والأمية التي يعاني منها كثير من المواطنين
* إعادة صياغة المضامين التربوية والتعليمية بما يشجع على المشاركة السياسية الشريفة
* قيام وسائل الإعلام بدورها المحفز على تلك المشاركة بطريقة حيادية.
وما أراه في صالح الشباب ليس التخلي عن واجبهم الإنتخابي بل مشاركتهم الواسعة للمساهمة في صياغة مستقبلهم وعدم ترك بقية الفئات تحدد لهم مصيرهم والفرصة لا تزال متاحة في الإنتخابات الرئاسية القادمة والتي ستجرى يوم 23 نوفمبر والمواعيد الإنتخابية التي تليها خاصة البلدية منها. 
-------
-  رئيس مركز الدراسات التنموية
najmghorbel@gmail.com