في العمق

بقلم
محمد الصالح ضاوي
حديث عن الشورى الأولى
 يتناول البحث لحظة ميلاد الشورى في جماعة الأنصار الأولى، في المدينة قبل الهجرة، و يرجعها إلى شروط موضوعية توفرت وشجعت على بروزها باعتبارها ثمرة من ثمرات التوحيد والإيمان... ويناقش الباحث التفسيرات التقليدية التي تجعل الشورى الأولى من عادات الأنصار وتقاليدهم... ويرجعها إلى سياقها القرآني: تجلي الاستجابة والصلاة.... سلوك مكمل للتوحيد.. مستجلب للمدح الرباني.... تميز به الأنصاري في الفترة المكية.... ويمكن لنفس هذا السلوك أن يظهر من جديد إذا ما تكررت شروطه الموضوعية...
هذا البحث يتناول بالتحليل آية الشورى في سورة الشورى « وأمرهم شورى بينهم» (1)، من حيث محمولها المعرفي والتوظيف القرآني للمصطلح...  نبحث عن المعنى الذي عبر عنه الوحي، من غير تدخل لثقافة المفسر أو الباحث... وحيث يعتقد البعض أن الموضوع (مقتولا) بالبحث عبر مئات الدراسات، فإننا نعتقد خلاف ذلك، ونسوق الملاحظات التالية:
أولا: وردت في القرآن آيتان فيهما ذكر لموضوع الشورى: آية الشورى في سورة الشورى، وآية الشورى في سورة آل عمران، وقد وجدنا أن جلّ المفسّرين والباحثين، إن لم نجزم ونقول: كلّهم، لم يفرّقوا بين الشورتين، بل كلّما تحدّثوا عن إحداهما، إلاّ وانزاحوا بالاستشهاد والتّحليل إلى الثّانية.  لقد دأب المفسرون، على اعتماد قاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السّبب، وهي قاعدة أدّت بهم إلى القفز على التّاريخ والزّمن والحال والشّخوص والظّروف والوقائع، وأدّت بهم إلى خلق (كون تفسيري) في تناقض مع الواقع وفي تماه مع خيالاتهم. ونحن، على نقيض نهجهم نعتبر القاعدة الأكبريّة، التي يقول فيها الشيخ ابن العربي : [ولهذا نقول: بشرط الزّمان والحال والشّخص.... فالحركة من زيد في زمان ما، ليس هي الحركة منه في الزمان الآخر، ولا الحركة التي من عمر، وهي الحركة التي من زيد.] (2).
وعليه، فإن الشّورى التي ورد ذكرها في سورة الشّورى، والتي هي موضوع بحثنا، ليست هي نفس الشّورى التي ورد ذكرها في سورة آل عمران. فالأولى نزلت في الفترة المكّية، تتحدّث عن الأنصار، والثّانية نزلت في المدينة بعد الهجرة. والمفسّرون لم يروا من اختلاف بين الاثنتين إلاّ في حدود اللّغة، حيث أظهروا أنّ الشّورى المكّية جاءت في مقام المدح، في حين جاءت شورى المدينة في مقام الأمر.
ثانيا: إنّ الشّورى المكّية النازلة في مدح الأنصار، تتعلق بجماعة من المؤمنين المدنيين في الفترة المكية، وهي جماعة تختلف عن المجتمع المكي الذي احتوى المساحة الأكبر من الوحي.... وليست الجماعة الوحيدة التي هي على تخوم المجتمع المكّي، حيث نجد جماعة المؤمنين المهاجرين إلى الحبشة في مناسبتين، وجماعة المكّيين الذين عاشوا بعد الهجرة في مكّة متخفّين، وجماعة المكّيين الذين ساحوا في الصحراء فرادى، هروبا من سطوة السّلطة المكّية... فكونوا عصابات تقطع الطّريق على المشركين، على طول الطريق الرابط بين مكّة والمدينة...
إن كل هذه الجماعات بحاجة إلى دراسة جادّة، رغم نقص الوثائق، من أجل استجلاء مميزاتها ودراسة حراكها الاجتماعي وتمظهر التّوحيد فيها... حيث سجّلت خصوصيّات على مستوى العقيدة وعلى المستوى الاجتماعي.. وجماعة الأنصار الأولى تتبع هذه القاعدة، حيث تميّزت على مستوى العقيدة تميّزا استجلب لها المدح القرآني.... ونكاد نجزم أن الشورى ولدت أنصاريّة....  في الفترة المكّية... وهو اعتقاد لم ينل قدره من البحث العلمي... بل أحسب أن الباحثين غفلوا عنه بفعل مناهجهم التقليديّة في تناول التّفسير والسّيرة والفقه السّياسي.....
بعد هذه الملاحظات المنهجيّة، نستدعي آية الشورى المكّية، لتشريحها المعرفي، والتعرف على المحمول النّوراني الذي حمّلته معها منذ لحظة نزولها وإلى الآن.... فنقول:
آية الشورى المكية الواردة في سورة تحمل نفس الاسم وتطبعه بطابعها: سورة الشورى، هي جزء من آية أشمل تتحدث عن خصال الأنصار التي استحقوا بها المدح الرّباني. قال الله تعالى:
[والذين استجابوا لربّهم وأقاموا الصّلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون] 38 الشورى.
هذه الآية تستوجب مجموعة من التذكيرات:
1- يجمع المفسرون أن هذه الآية نزلت في الجماعة الأولى من الأنصار الذين آمنوا برسول الله وبما جاء به، في ذو الحجة من السنة الحادية عشرة من البعثة، حيث أسلم وفد الخزرج المتكون من ستة أنفس، قدموا من يثرب إلى موسم الحج. يقول ابن كثير : [ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عند العقبة في الموسم نفراً من الأنصار، كلهم من الخزرج، وهم: أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس، وعوف بن الحارث بن رفاعة، وهو ابن عفراء، ورافع بن مالك بن العجلان، وقطبة بن عامر بن حديدة، وعقبة بن عامر بن نابي، وجابر بن عبد الله بن رئاب، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فأسلموا مبادرة إلى الخير، ثم رجعوا إلى المدينة فدعوا إلى الإسلام، ففشا الإسلام فيها، حتى لم تبق دار إلا وقد دخلها الإسلام.] (3)
2- عبـــر قراءة سريعـــة لكتب التفسير القديمـــة والحديثـــة (4)، نلاحظ أن العلماء نسبوا الشورى الممدوحة في هذه الآيـــة، إلى عـــادة الأنصــــار وتراثهم الاجتماعـــي... ولا نجد أي رابط بين الشورى والإسـلام، إلا من خلال قبول الإسلام لهذه التقاليد الموروثة... يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور : [وقد عرف الأنصار بذلك، إذ كان التشاور في الأمور عادتهم، فإذا نزل بهم مهم اجتمعوا وتشاوروا، وكان من تشاورهم الذي أثنى الله عليهم به هو تشاورهم حين ورد إليهم نقباؤهم وأخبروهم بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن آمنوا هم به ليلة العقبــة، فلما أبلغوهم ذلك اجتمعوا في دار أبي أيوب الأنصــاري فأجمع رأيهم على الإيمان به والنصر له](5).  ويقول الزمخشري في الكشاف : [وكانوا قبل الإسلام وقبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة: إذا كان بهم أمر اجتمعوا وتشاوروا، فأثنى الله عليهم...]. (6)
3- كلّما ذكر تفسير آية الشّورى، إلاّ وانزاح المفسّرون إلى الشّورى السياسيّة التي مارسها الرسول عليه السلام، وأمره الله بها في سورة آل عمران، وكأنّه لا يوجد حدّ فاصل أو تمييز بين الآيتين... وهذا من الغلط الواضح لدى العلماء. ويكفي الاستشهاد بالقرطبي في تفسيره للآية، حيث يقول: [وقد كان النبي صلى الله سبحانه يشاور أصحابه في الآراء المتعلّقة بمصالح الحروب؛ وذلك في الآراء كثير. ولم يكن يشاورهم في الأحكام؛ لأنّها منزلة من عند الله على جميع الأقسام من الفرض والنّدب والمكروه والمباح والحرام. فأمّا الصّحابة بعد استئثار الله تعالى به علينا فكانوا يتشاورون في الأحكام ويستنبطونها من الكتاب والسنة. وأول ما تشاور فيه الصحابة الخلافة؛ فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم ينصّ عليها حتى كان فيها بين أبي بكر والأنصار ما سبق بيانه. وقال عمر رضي الله عنه: نرضى لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا وتشاوروا في أهل الرّدة، فاستقر رأي أبي بكر على القتال. وتشاوروا في الجدّ وميراثه، وفي حدّ الخمر وعدده. وتشاوروا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحروب؛ حتى شاور عمر الهرمزان حين وفد عليه مسلما في المغازي، فقال له الهرمزان: مثلها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين مثل طائر له ريش وله جناح، فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس، وإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس، وإن شدخ الرأس ذهب الرجلان والجناحان. والرأس كسرى والجناح الواحد قيصر والآخر فارس؛؛ فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى... وذكر الحديث. وقال بعض العقلاء: ما أخطأت قط! إذا حزبني أمر شاورت قومي ففعلت الذي يرون؛ فإن أصبت فهم المصيبون، وإن أخطأت فهم المخطئون.].
يبدو أن المفسرين انساقوا وراء ثقافتهم عندما فسروا الآية، فهم لم يبحثوا عن المعنى المحمول في اللفظ، وعن توظيف القرآن لمعنى الشورى، وكيف تناول الشورى الأنصارية؟؟؟ هل تناولها باعتبارها من التقاليد المعروفة عند الأنصار قبل الإسلام؟؟؟ أم أنه جعلها شورى خاصة؟؟؟ فالشورى المذكورة في سورة الشورى جاءت في سياق تعداد لسلوكيات استوجبت المدح، اختص بها هؤلاء الأنصار، في الفترة المكية. فكان السياق يبدأ بالاستجابة للدين، ثم بالصلاة، ثم ثلث بالشورى وختم بالانفاق. فمن خلال الآية، جاء مدح الشورى بعد الاستجابة إلى الله وإقامة الصلاة، بحيث ندرك من هذا الترتيب أن الشورى ثمرة من ثمار الاستجابة والصلاة، باعتبار أن الانفاق جاء في المرتبة الرابعة... فالاستجابة لله أدتهم إلى إقامة الصلاة، وإقامة الصلاة أدتهم إلى الشورى في أمورهم، والشورى أدت إلى الإنفاق... 
فإذا عرفنا أن الفترة المكية كانت ذات طابع توحيدي صرف، وإذا عرفنا أن سورة الشورى نزلت تقريبا في السنة الأخيرة من البعثة، تحمل رقم (62) من ترتيب النزول، بعد سورة الإسراء التي تحمل رقم (50) بنفس الترتيب (7)، وإذا عرفنا أنّ هذه الآية تتحدّث عن سنتين فقط من الاستقرار الإيماني والتّوحيدي، استطعنا أن نستنتج أن الشورى هي ثمرة من ثمار التوحيد الأنصاري المكي.... وليست عادة من عادات الخزرج والأوس....
هذا ما غفل عنه المفسرون لأنهم لم يدركوه.... لأنّ الشّورى الممدوحة في هذه الآية كانت خصيصة أنصاريّة.... نبعت في بيئة خارج مكّة.... وليست هناك وثائق تفسّر سبب عقم المجتمع المكّي في عدم انجابه للشّورى.... كما أنه من المفيد البحث عن الأسباب الاجتماعيّة التي جعلت الشّورى تظهر في الأنصار... باعتبارها ثمرة من ثمرات التّوحيد... ومظهرا ايمانيّا... وليس عادة عربيّة كما يصوّرها المفسرون.....
من المهمّ أنّ نربط بين الإيمان (الاستجابة) وبين الشّورى باعتبارها ثقافة جديدة وممارسة ايمانية ترتبت عن الصلاة..... ولعلّ مناخ الحرّية الذي كان سائدا في المدينة قبل الهجرة، جعل من الجماعة الأولى تمارس شعائرها في كنف الرّاحة والهدوء بلا معارضة ولا ضغوط من سلطة جائرة كما كان سائدا في مكة.... وهذا المناخ ساهم في بروز ثقافة الشورى القاعديّة بين المؤمنين الأوائل.... حيث كانوا يتشاورون في أمورهم الدّينية والدنيويّة... 
وثمّة عامل آخر ربّما ساعد في بروز ظاهرة الشّورى في جماعة الأنصار الأولى، وهو: افتقادهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم... فالرّسول عليه السلام كان بمكة، وربّما تقع لهم المسائل فلا يجدونه قريبا منهم ليستفتوه، فاستعاضوا بالمشورة عنه... وكلّما لاح لهم رأي إلاّ واتخذوه طريقا (8)...  وممّا يقوي هذا الرّأي، أنّهم تشاوروا في أمور الدّين، التي من المفترض ألاّ تكون محلّ مشورة في جماعة أخرى... بل هي من اختصاص الوحي كما يفتي بذلك العلماء... لكن الأنصار اجتهدوا فيها وكان لهم رأي بعد مشورة... مثل صلاة الجمعة التي ابتدعوها أولا في المدينة قبل الهجرة... قال السهيلي في الروض الأنف (9): [ذكر الكشي، وهو عبد بن حميد، قال: نا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وقبل أن تنزل الجمعة، وهم الذين سموا الجمعة، قال الأنصار: لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى مثل ذلك، فهلم فلنجعل يوما نجتمع فيه ونذكر الله ونصلي ونشكر، أو كما قالوا، فقالوا: يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى، فاجعلوا يوم العروبة، كانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة، فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة، فصلى بهم يومئذ ركعتين، فذكرهم، فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه، فذبح لهم شاة فتغدوا وتعشوا من شاة، وذلك لقلتهم، فأنزل الله - عز وجل - في ذلك {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة 9].] (10) .
لقد لمسنا عند الأنصار جرأة وإقداما على مناقشة أمور دينية من صميم التوحيد والإيمان، وهو ما يعتبر من تجليات الاسلام عندهم... فهذا البراء بن معرور يأبى إلا مناقشة القبلة والصلاة إلى الكعبة: [قال ابن إسحاق: حدثني معبد بن كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين أخو بني سلمة أن أخاه عبد الله بن كعب وكان من أعلم الأنصار، حدثه أن أباه كعبا حدثه وكان كعب ممن شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، قال خرجنا في حجاج قومنا من المشركين وقد صلينا وفقهنا، ومعنا البراء بن معرور، سيدنا وكبيرنا، فلما وجهنا لسفرنا، وخرجنا من المدينة، قال البراء لنا: يا هؤلاء إني قد رأيت رأيا، فوالله ما أدري، أتوافقونني عليه أم لا ؟ قال قلنا: وما ذاك ؟ قد رأيت أن لا أدع هذه البنية مني بظهر يعني: الكعبة، وأن أصلي إليها. قال فقلنا: والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام، وما نريد أن نخالفه. قال فقال إني لمصل إليها، قال: فقلنا له لكنا لا نفعل. قال فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام، وصلى إلى الكعبة، حتى قدمنا مكة. قال وقد كنا عبنا عليه ما صنع وأبى إلا الإقامة على ذلك، فلما قدمنا مكة قال لي: يا ابن أخي، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نسأله عما صنعت في سفري هذا، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إياي فيه. قال فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا لا نعرفه ولم نره قبل ذلك فلقينا رجلا من أهل مكة، فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل تعرفانه ؟ فقلنا: لا ; قال فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه؟ قال قلنا: نعم - قال وقد كنا نعرف العباس كان لا يزال يقدم علينا تاجرا - قال فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس. قال فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه فسلمنا ثم جلسنا إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس «هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل»؟ قال نعم هذا البراء بن معرور، سيد قومه وهذا كعب بن مالك. قال فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشاعر»؟ قال نعم. فقال البراء بن معرور: يا نبي الله إني خرجت في سفري هذا، وقد هداني الله للإسلام فرأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر فصليت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك حتى وقع في نفسي من ذلك شيء فماذا ترى يا رسول الله؟ قال: «قد كنت على قبلة لو صبرت عليها» . قال فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معنا إلى الشام. قال وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم.] (11).
لعل لفظة: أمرهم شورى: تعني مثل هذا الأمر الديني... المتكرر جداله ونقاشه والتحاور حوله.... فالشورى الأنصارية هي شورى: أولا: قاعدية... وثانيا: ثمرة من ثمرات التوحيد... وثالثا: تهم أمور الدين قبل الدنيا..... وهذه نتائج مهمة لهذا البحث... تؤدي إلى مراجعة جذرية لواقع التوحيد وتجلياته في الفترة المكية، سواء في الجماعة المكية أم في الجماعة الأنصارية أو الحبشية... فالشورى: كسلوك توحيدي نشأ في جماعة الأنصار... وهو سلوك مكمل للتوحيد.. مستجلب للمدح الرباني.... تميز به الأنصاري في الفترة المكية.... ويمكن لنفس هذا السلوك أن يظهر من جديد إذا ما تكررت شروطه الموضوعية...
الهوامش
(1) 38 الشورى.
(2) ابن العربي، محي الدين: الفتوحات المكية، المقدمة.
(3) ابن كثير: الفصول في سيرة الرسول، مكتبة قناة أزهري.
(4) انظر مثلا: التفسير الكبير للرازي ج27ص152. والكشاف للزمخشري ج4ص233.
(5) ابن عاشور، محمد الطاهر: تفسير التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، ج 25 ص112.
(6) الزمخشري، جار الله أبي القاسم محمود بن عمر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، مكتبة العبيكان، الجزء 5، ، ص 415.
(7) دروزة، محمد عزت: التفسير الحديث [مرتب حسب ترتيب النزول]، الناشر: دار إحياء الكتب العربية – القاهرة، الطبعة: 1383 هـ.
(8) يقول الطبري في تفسيره: [فبدأ بهم( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ ) الأنصار( وَأَقَامُوا الصَّلاةَ ) وليس فيهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) ليس فيهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أيضا.].
(9) السهيلي، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد (المتوفى : 581هـ): الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق: عمر عبد السلام السلامي، نشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1421هـ/ 2000م، ج 4 ص 57.
(10) سورة الجمعة من السور المدنية الأخيرة. ترتيبها النزولي: 110 من جملة 114 سورة في القرآن. المصدر: 
دروزة، محمد عزت: التفسير الحديث [مرتب حسب ترتيب النزول]، الناشر: دار إحياء الكتب العربية – القاهرة، الطبعة: 1383 هـ.
(11) السهيلي، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد (المتوفى : 581هـ): الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق: عمر عبد السلام السلامي، نشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1421هـ/ 2000م، ج 4 ص 66.
-------
-  كاتب وصحفي 
dhaoui66@gmail.com