الإفتتاحية

بقلم
فيصل العش
الخير في من اعتبر
 انتهت الانتخابات التشريعيّة بسلام بعد أن أحكم الأمن والجيش خطّته لمنع كل عمل يمكن أن يؤثّر سلبا على العملية الانتخابية وخاصّة العمليات الارهابية التي خشي الجميع أن تنغّص على التونسيين عرسهم الانتخابي. وظهرت النتائج الأوليّة   فربح من ربح وخسر من خسر لكن الرابح الأكبر هو الوطن الذي خطا خطوة جديدة نحو القطع النهائي مع الاستبداد وحكم الحزب الواحد والزعيم الأوحد وترسيخ مبدأ رفعناه شعارا طيلة الفترة السابقة وهو «بالانتخاب لا بالإنقلاب».
وبرغم مرارة الهزيمة والخروج المدوّي للأحزاب الديمقراطية التي تبنت شعار الثورة وعملت من أجل تحقيق أهدافها ومن بينها «الاصلاح والتنمية» الذي لم يجن ما كان يتوقعه من أصوات ولم يحض بالحصول ولو على كرسي يتيم بمجلس الشعب حتّى بأفضل البقايا ولم يشفع له خطابه المتزن ولا محاولاته المتكررة لجمع شتات الأحزاب الوسطيّة والديمقراطيّة  لخلق قوّة ما سمّي بالخيار الثالث ليكون صمام أمان وحكما بين القوتين الرئيسيّتين اللتين دفعتا البلاد إلى استقطاب ثنائي لا يخدم الحياة السياسية، إلاّ أنه من الضروري التأكيد على احترام اختيار الشعب بصفته صاحب القرار والذي انقسم في مجمله إلى فسطاطين أحدهما دعّم حزب حركة النهضة والثاني سارع إلى التصويت إلى «الباجي» المعارض الرئيسي للنهضة.
إنّ الوقوف بتدبّرعند بعض النقاط المتعلقة بهذه الانتخابات في محاولة لتوضيح صورة المشهد السياسي أمر حيويّ لعلّ البعض يعتبر مما حصل ويسرع باتخاذ الموقف والقرار المناسب لانقاذ ما يمكن انقاذه أو على الأقل الحفاظ على بعض مكتسبات الثورة وأهمّها الحرّية فلم يبق الكثير من الوقت عن الانتخابات الرئيسيّة المحطّة الثانية والهامّة في تنافس القوى المنحازة للثورة والقوى الوارثة للنظام القديم. 
لعلّ من أهمّ الاستخلاصات الموقف الواضح لأغلبية المنتخبين بالانحياز إلى أحد الطرفين الرئيسيين والذي يعود أساسا حسب رأينا إلى :
* ثقافة التونسيين التي يسيطر عليها رفض التعدّد والانحياز لطرف واحد لا غير نتيجة عقود من الحكم الاستبدادي وغياب التّعددية. وهو ما ظهر جليّا في عدم منح الأصوات إلى القائمات المستقلّة والحزبية الأخرى.
* الدّور الكبير الذي لعبه الإعلام من خلال مؤسّساته المختلفة في ترسيخ واقع الاستقطاب بنفس الاسلوب وفي تناغم غريب وكأنّ جميع هذه المؤسسات تقاد من طرف واحد خفي ومن وراء ستار.
* مراهقة بعض رموز الأطراف المنحازة في خطابها للثورة ونرجسيتهم وعجزهم عن التوحّد ودخولهم الانتخابات مشتتين.
ولا يمكن أن نغضّ الطرف عن الدور الذي لعبه المال السياسي الفاسد الذي أفسد المجتمع ونخر العمل الحزبي والجمعياتي. حيث لم يكن ممكنا القضاء عليه أو الحدّ من تأثيراته السلبية نتيجة ضعف المراقبة وغياب القوانين والمؤسسات الكفيلة بالكشف على مصادره ومعاقبة الأطراف التي تستفيد منه وتستخدمه.
كما يمكن أن نستنتج أن جزءا من الشعب عاقب الترويكا التي حكمت بعد انتخابات 2011 ورفضت الاعتراف بالأخطاء وتصحيح المسار، عقابا انتخابيا مستحقّا ويظهر ذلك جليّا في عدم التصويت للمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتّل وانخفاض النسب التي تحصلت عليها النهضة في الدوائر التي رشّحت فيها وزراء سابقين.  
لكن في المقابل بينت نتائج الانتخابات أن حركة النهضة بقيت الرقم الأقوى في المعادلة السياسية في تونس حيث لم تخسر الكثير وبقيت صامدة أمام الزلازل التي استهدفتها وهي قادرة أكثر من غيرها بما في ذلك نداء تونس على الصمود في المحطات القادمة وهي مطالبة بالعمل على التأقلم مع الوضع الجديد وإعادة تشكّلها وفسح المجال لشخصيات جديدة خاصّة من الشباب لتأخذ المشعل عن الجيل الأول.
أمّا القوى الديمقراطية والثورية التي لا تنتمي لهذا الطرف أو ذاك فعليها مراجعة خطابها وآليات تفكيرها وعملها لفهم  الواقع الجديد لأنها مطالبة أكثر من ذي قبل بالعمل على بناء قطب ثالث يقطع مع الاستقطاب الثنائي الخطير يكون قريبا من الناس ليحمل همومهم ويدافع عن مصالحهم ويكرّس فيهم ثقافة المواطنة والكرامة والعزّة.
قد يتطلب هذا العمل بعض الوقت والكثير من التضحيات لكنّ تحقيقه ليس مستحيلا... 
-  مدير المجلّة . faycalelleuch@gmail.com