خواطر مشروع مواطن

بقلم
فيصل العش
لا مجال.... بعد الثورة

استيقظت باكرا لأستعدّ كما يجب للانطلاق إلى مقر عملي .فقد تعوّدت بعد الثورة أن أصل إلى مكتبي قبل فتح الإدارة للعموم بأكثر من ساعة حتّى أعدّ ملفّاتي و أرتّب أوراقي على  أحسن وجه لإستقبال حرفائي من المواطنين وأغلبهم من القاطنين خارج العاصمة والقادمين من المدن البعيدة. فالواجب يدعو إلى قضاء حوائجهم فلا مجال للتسويف بعد الثورة. خرجت من بيتي فإذا بالشارع يعجّ بالناس وهم في حركة سريعة نحو مواقع عملهم.. الشارع أصبح مختلفا عمّا كان عليه قبل الثورة ... لم تعد ترى الازدحام الخانق للسيارات فالجميع أصبح يسير بنظام فلا مجال لإختراق القانون بعد الثورة. وصلت محطّة الحافلات ولم يدم انتظاري كثيرا حتّى قدمت الحافلة في وقتها حسب البرنامج المعلن فلا مجال للتأخير بعد الثورة. استقبلني بائع التذاكر كبقيّة الركاب بابتسامة وترحاب كبير. الركوب في الحافلة حصل بنظام واحترام كبيرين فلا مجال للفوضى بعد الثورة .قطعت تذكرتي وجلست في مقعد قرب الشُّباّك لأتمتّع بالنظر إلى مدينتي التي أصبحت جميلة بنظافتها ونظامها بعد الثورة. كل الوجوه في الحافلة منشرحة وزاهية.الجميع جالسون بمقاعدهم يطالعون صحف الصباح فلا مجال للازدحام وتجاوز عدد الركّاب المسموح به في الحافلة بعد الثورة. ومن لم يسعفه الحظ في ركوب الحافلة لن ينتظر كثيرا فالحافلة الموالية لن تتأخر كثيرا.. انسابت في الحافلة موسيقى صباحية هادئة مصحوبة بكلمات ترحيب من السّائق متمنّيا للجميع يوما مباركا وسعيدا وانطلقت بهدوء في اتجاه هدفها. من خلال النافذة كنت أستمتع بالنظام الذي أصبحت عليه واجهات المحلات والدكاكين بعد الثورة ..غابت الفوضى تماما ولم تعد تشاهد ذلك الانتصاب الفوضوي الذي احتل في ما مضى قارعة الطريق فالرصيف عاد لأصحابه المترجلين . أمّا المقاهي فقد تقلّص عددها ولم تعد في حاجة إلى التوسّع خارج مقرّاتها فعدد الزبائن قد قلّ لأن الجميع انصرفوا إلى العمل والكدّ مادامت فرص العمل متوفّرة ونسبة البطالة أشرفت على الصفر والبلد في حاجة إلى سواعد شبابه وكهوله من اجل البناء والنمو  فلا مجال للكسل والتواكل بعد الثورة . عدد كبير من المقاهي حوّلها أصحابها إلى نوادي ثقافية وفكرية تدبّ فيها الحركة في آخر النهار حيث تصبح قبلة المواطنين بجميع أصنافهم: موظفون وعملة ، نساء ورجال، كبار وصغار للحوار وتبادل الآراء ومناقشة ما يهمّ كل طيف منهم بكلّ حريّة و احترام فلا مجال لحصر الثقافة والفكر بعد الثورة.وبينما كنت منغمسا في ما أنا فيه إذ بصوت مرتفع يصيح في وجهي ويد غليظة تصفعني على مؤخرة رأسي فانتبهت مذعورا فإذا برجل ضخم الجثّة ، عبوس الوجه يصيح :" آش نوّ راقد ؟!!.... دار بوك اللّي خلاّلك ؟!!...هذي حديقة موش بيت نوم... اطلع بيهم أوراقك" ثم أردف " شكونك يا سي الشباب؟" ...فأجبته مسرعا : "مواطن سيدي الشرطي..مواطن" فصرخ في وجهي :" شنوّ. ؟!!.... مواطن؟ !!!واش تعمل في رزق الحاكم ؟؟؟؟ فقلت له : "كنت أحلم يا سيدي ... فهل ...لا مجال للحلم بعد الثورة ؟؟؟